التشبيهات التي نعيشها تشكل أفكارنا حول الوضع الراهن
لقد أدهشني عنوان حديث في BuzzFeed حول جائحة فيروس كورونا الحالية: “الشيء المربك هو أننا لا يمكننا مقارنته (كوفيد١٩) بأي شيء” صحيح أن هذه الجائحة حرفياً ليس مثل أي شيء شهدناه من قبل. ومع ذلك فإننا كبشر نجد أن الطريقة الوحيدة – والمشتركة بيننا – التي نفهم بها المواقف الجديدة هي إجراء المقارنات أو التشبيهات مع المواقف التي مررنا بها سابقًا.
وعكس ما قيل فى BuzzFeed ،فإن المقارنات المتعلقة بالفيروس كورونا الجديد يمكننا رؤيتها في كل مكان.
الطريقة التي يتصور بها الناس الموقف يساهم فى تشكيل سلوكهم تجاه ذلك الموقف. هذا يعني أن المقارنات التي نستخدمها لفهم المواقف الجديدة يمكن أن تكون قوى نافذة – أيا كانت النتيجة – في تحديد كيفية التصرف. مع أخذ ذلك فى الاعتبار، كنت أجمع بعض المقارنات التي أجراها أشخاص مؤثرون حول جوانب مختلفة من جائحة كوفيد١٩ COVID-19 ، وأفكر في كيفية قيام هذه المقارنات بتشكيل فهمنا وسلوكنا استجابتاً لهذا الموقف “الغير القابل للمقارنة” (على حد تعبير BuzzFeed).
هل هى مجرد انفلونزا؟
فى ٩ مارس ، قام الرئيس ترامب بالتغريد: “ العام الماضي توفي ٣٧٠٠٠أمريكي من الإنفلونزا العادية. يتراوح متوسط وفياتها السنوية بين ٢٧٠٠٠ و.٧٠٠٠٠. لم يغلق شئ، استمرت الحياة والاقتصاد. في هذه اللحظة يوجد ٥٤٦ حالة مؤكدة من فيروس كورونا، مع ٢٢ حالة وفاة. فكر بالأمر!” فى حين قد يبدو من النظرة الأولى أن موسم الأنفلونزا السيئ، مشابهًا لما نشهده الآن، فإن هذا التشبيه يتجاهل بعض الجوانب المهمة لفيروس الكورونا الجديد. فهو ليس فقط أكثر عدوى من فيروسات الإنفلونزا التقليدية، بل له ما لا يقل عن عشرة أضعاف معدل الوفيات. لدينا لقاح ضد الأنفلونزا ، وإن كانت فاعليته محدودة، والأهم من ذلك، أن المرض الناجم عن فيروس كورونا الجديد يختلف كثيرًا عن الأنفلونزا. أظهرت الباحثة زينب توفيكسي هذه الحقيقة الأخيرة باستخدام تشبيه آخر واضح: “بحلول ٢٩ يناير، كان من الواضح أن كوفيد١٩ COVID-19 تسبب في الالتهاب الرئوي الحاد لضحاياه، على عكس الإنفلونزا التي تميل إلى ترك المرضى عرضة للالتهاب الرئوي الانتهازى الثانوى. هذا هو الفرق بين مرض كسائق تاكسى يتركك في المنطقة الخطرة فى المدينة في وقت متأخر من الليل ومرض كسائق التاكسى الذى يقوم “بتثبيتك” وسرقتك بالإكراه “.
لقد ضلل تشبيه الإنفلونزا الموسمية العديد من الناس لتقليل خطورة وضعنا الحالي، وعزز سوء الفهم الخطير عن ماهية المخاطر الحقيقية. في ٢١ مارس ٢٠٢٠، غرد بيل ميتشل الخبير المحافظ على عواقب التشبيه الذى ساقه ترامب: “لا أفهم كيف يمكن لمستشفياتنا التعامل مع ٦٧٠٠٠٠ حالة إنفلونزا كل عام، ولكن بضعة آلاف من حالات كوفيد١٩ COVID-19 نخاف أن تشل النظام الصحى؛ نحن نتعامل مع تفشي الإنفلونزا على مدى عقود. بالنسبة لي كل هذا جزء من كلام مبالغ فيه“. رد أحد القراء بتشبيهاتهم (الساخرة): “أنا لا أفهم كيف يمكن لمطاعم ماكدونالدز أن تخدم مليارى سندوتش هامبرغر كل عام، ولكن عندما أطلب خمسة ملايين ساندوتش من أحد الفروع – فإن ذلك يربك النظام!”
هل الوضع مثل كارثة طبيعية؟
حذر أحد أطباء الطوارئ صحيفة لوس أنجلوس تايمز من أننا بحاجة إلى اتخاذ قرارات حاسمة “قبل أن نكون في خضم أمواج تسونامي” . وبالمثل، حذرت مراسلة قناة إن بى أر NPR مارا لياسون، “إن الوضع مثل الموجة العاتية التى لم نرى قمتها بعد موجة.” وأشار الصحفي جوي ريد إلى أن “إن إعصار فيروسات الكورونا يضرب جميع الولايات الأمريكية الخمسين فى جميع المناطق دفعة واحدة“. أخبرت إحدى الصحف في ولاية تينيسي القراء أن “فيروس كورونا … سيكون مثل الفيضان. سيستغرق الأمر بعض الوقت والعمل لينحسر“. نقلت صحيفة نيويورك تايمز عن رد أحد العلماء حول موعد عودة الأمور إلى طبيعتها: “الأمر يشبه سؤال رجل إطفاء متى يمكنك العودة لمنزلك، بينما لا يزال منزلك مشتعلًا“. وحتى عندما خفت النيران، قيل لنا أنه “طالما استمر الفيروس في مكان ما، فهناك احتمال أن يشعل مسافر مصاب شرارات جديدة في البلدان التي أطفأت حرائقها بالفعل“.
إن تشبيه الكوارث الطبيعية هو أكثر شرعية من تشبيه الإنفلونزا – هو تشبيه يظهر الطبيعة الملحة – ولكنه قد يضللنا أيضًا. الكوارث الطبيعية هي أوقات يتكالب فيها الناس على الشراء المذعور، وتخزين الإمدادات مثل المعكرونة وورق التواليت. أدى هذا المفهوم الخاطئ لحالتنا إلى اكتناز غير ضروري. ولعل الأسوأ من ذلك أن فكرة الكارثة الطبيعية تجعل الناس يريدون الفرار إلى مكان أكثر أمانًا إلى “التلال” المرتفعة. لاحظ أحد المغردين ذو النظرة الثاقبة المشكلة في هذا النوع من التشبيه: “أنا أدرك أن العديد من الأشخاص يستجيبون لـكوفيد١٩ COVID-19 بتفعيل ذاكرتهم التى تعمل عند وقوع كارثة طبيعية. بعد الحرائق، نقوم بالإخلاء. قبل الأعاصير، نقوم بالإخلاء. حان وقت الإدراك: نحن أنفسنا الإعصار. الجري لا يفعل شيئًا سوى جلب الإعصار للآخرين. ابق في المنزل“
هل نحن في حرب؟
وصف الرئيس ترامب الوباء بأنه “حربنا الكبرى” ، وأشار إلى نفسه على أنه “رئيس زمن الحرب“. لقد كُتب الكثير عن تفعيل الرئيس “لصلاحيات وقت الحرب” عبر “قانون الإنتاج الحربى” لإجبار الشركات الأمريكية على تصنيع المعدات الطبية. استخدم المرشح الرئاسي جو بايدن أيضًا تشبيه الحرب فيما يتعلق بالعاملين في مجال الرعاية الصحية: “كرئيس ، لن أرسل أبدًا جنديًا أمريكيًا إلى أي مكان في العالم بدون المعدات والحماية التي يحتاجون إليها. يجب ألا نفعل أقل من ذلك للأبطال في الخطوط الأمامية للمعركة التي نواجهها الآن “.
إن مقارنة الحرب جذابة وهي ملائمة من نواحٍ عديدة، ولكن مرة أخرى هناك مخاطر كامنة. إن تصوّر موقف على أنه “حرب” يمكن أن يجعل الناس يشعرون
–بمزيد من القومية
وكراهية الأجانب
ورغبة في تعليق الحقوق المدنية
وزيادة قابليتهم للاستغلال السياسي،
كما جاء في مقال رأي في صحيفة نيويورك تايمز:
“وسط كل علامات الصراع – إعلانات الطوارئ ، وتعبئة قوات الحرس الوطني ، وممارسة سلطات استثنائية – هناك خطر دستوري دائم في التعامل مع هذه الأزمة وكأنها حرب “.
إذا كنت تعيرالأمراهتمامًا، فستقابل أشكالًا مختلفة لا تعد ولا تحصى من هذه التشبيهات وغيرها، في البرامج الإخبارية التلفزيونية والصحف ووسائل التواصل الاجتماعي وحتى المحادثات غير الرسمية؛ سمعت أحد المعلقين الإذاعيين يتناظر حول التشبيه:
“نحن في بحر مجهول. نحتاج إلى بعض العلامات الملاحية العائمة“.
في الواقع، نحن كبشر نسبح باستمرار في بحر من التشبيهات والاستعارات التي تشكل بشكل غير واعى – ولكن بعمق– فهمنا لكل شيء نواجهه. لفهم وضعنا الصعب الحالى، نحتاج إلى أن نكون أكثر وعيًا كيف تُشكل التشبيهات التي نعيش بها أفكارنا. التشبيهات هي عواماتنا في المياه المضطربة، ومناراتنا في هذه العاصفة المظلمة، لكننا بحاجة إلى استخدامها بعناية لتوجيهنا بأمان إلى الشاطئ الآخر.
Leave a Reply